#ذكرى_اغتيال_حسني_شقرون
29 سبتمبر ذكرى اغتيال أحد أعظم فنانة الراي ألا وهو المرحوم حسني شقرون، والتي يمر الآن على اغتياله، سبعة وعشرون سنة.. وبهذا نطلب الله عز وجل أن يجدد عنه الرحمات وان يغفر له ويسكنه فسيح جناته.
وأما بالنسبة لمحبيه، فسنقدم لكم قصة جميلة ترويها احدى عشاق حسني.. بعنوان "الشّاب حسني أو أغنية الحبّ الخالدة"..
الاستاذة حكيمة صباحي تتحدث عن تجربة الشاب حسني في زمن التسعينيات من القرن الماضي ، كيف كان كان تأثير الشاب حسني عليها و على المجتمع
اليكم المقال كامالا لصاحبته الاستاذة حكيمة صباحي
--
مهما مرّ من وقت، ستظل أنت دائم الشّباب، يتجدد مجدك في كل جيل، يحسن الإصغاء لصوت الذّات، وهي تتحسس وجودها الإنساني في المجتمع. وُلِدْتَ في الفاتح فيفري 1968، وغادرتَ الحياة غَدْرًا في 29 سبتمبر 1994. مرّ، إذن، على رحيلك 21 عام، وقت يكفي لإنجاب طفل، ورعايته ليكون رجلا محترمًا.
من أين أبدأ؟ هل أقول لك مثلا: أحبّك أيّها الجزائري الجميل؟ أم أقول: اشتاقت لك الموسيقى والكلمات المندلعة من صميم الصّدق الجزائري، الذي انفقد في الأيام، كأننا لم نعد جزائريين؟
الذي أعرفه هو أن الأرواح لا تموت، لا أشعر أنّك غادرت الأرض يومًا، فأغانيك لا تزال رفيقة الشباب، ومن تربى عليها وصار الآن كهلا. أتخيلك تبتسم وأنت تعرف جيدا أنني حزنتُ يوم اغتيالك جدًا، رغم أني لم أكن حتى يومها أسمع أغانيك، فأنا تقليدية الذّوق، وفيروز بالنسبة لي هي سيدة الغناء الكونية. حزنتُ جدا لأنك شاب جزائري، اكتسح القلوب كما لم يتوقع أحد، وكما ظل الكبار يتحدثون عنك بتعالٍ، كمن لا يريد أن يصدق صوت ذاته العميقة، التي كنتَ أنت الناطق باسمها بصدق نادر.
اضطرني عملي أن أسمعك، كنت عام 1996 أستاذة في ثانوية علي بنور بتادمايت، نشيطة جدا وأحبّ أن أنجح، رغم الموت الذي يجعل الجثث، في ضواحي تادمايت ديكورًا حيا لكوابيس حقيقية، في حرب أهلية قذرة، لم أكن أفهم ما يدور في خلد تلاميذي لأساعدهم، ولاحظت أنهم يسمعون جميعهم ذكورا وإناثا أغانيك، فطلبتُ من المتفوّق فيهم، أن يحظر لي كل ما يملك من كاسيطات لك (في ذلك الوقت، كان شريط الكاسيط هو المتداول).
أصبحت أستاذة ناجحة بفضلك، فقد كنت حازمة في البداية مع التلاميذ، حتى صاروا يخافون الاقتراب مني، وينفرون من دروسي، وبعد الاستماع لأغانيك، صرت رفيقتهم حتى أصبحتُ أتنقل في موكب جماهيري من الثانوية إلى المحطة. بفضلك تمكنتُ من فهم الإنسان في تلاميذي الصغار، في الوقت الذي كان الذّهاب إلى محل لشراء كاسيت أغانيك بالنسبة للفتيات، يسيئ لسمعتهن وما أدراك، إنه المجتمع التقليدي الذي يعذبنا جميعا بقيوده، ولا يعترف بنا إلا بعد فوات الأوان، ألم يحاصروك في وسائل الإعلام الرسمية؟ لكن بعد وفاتك أقاموا لك التكريمات الصّورية. علمتني درسا وجوديا: لا يمكن للتواصل بين الأجيال أن يكون مثمرا إلا به: الإصغاء إلى صوت الآخر المختلف بانتباه ومحبّة، واحترامه والتّعامل معه على أساس وجوده المستقل، وليس على أساس معتقداتنا، نحن الذين نمارس الوصاية، بلا تبصر على الصّغار باعتبار السنّ المتقدمة، التي لم تكن يوما معيارًا للنّضج والحكمة.
نت الآن حاضر، في مشهد لا ينجزه إلا النّادرون، الذين غالبا ما يموتون مبكرًا، لكن أعمالهم تخلدهم، وتنتصر لهم على الموت. كأني أراك: تروح وتجيئ على ركح جاءته الجماهير من كل فج عميق، حاملا الراية الجزائرية، منشدا: (راني خليتها لك أمانة، تهلا فيها ما تغبنهاش. هذيك حبيبتي أنا، ربي ليا ما كتبهاش! والشباب الجزائر على إيقاع صوتك ينشدون معك في قداس خرافي للحب.
كنت القائد لعواطف تمّ كبتها بعنف، في شباب إذا نزعت منه العواطف، لن يصلح بعدها إلا للدفن، هكذا فكر الذين اغتالوك، القضاء على صوتك المحرض على الحبّ، هو قضاء على قوة الحبّ في الشباب الجزائري. ما أبأسهم، ما أتعسهم، ما أحقرهم، كل الحقارة والقذارة هي من مقامهم المنحطّ، المشبع بالتّوحش والفحش.
إذا كان محمد الماغوط يقول عن أغنية «كيفك أنت» للسّيدة فيروز، أنها تعادل عنده كل الشّعر العربي القديم، فأغنيتك: «قع النسا» تُعادل عندي كل الشّعر العربي الحديث والمعاصر، الفصيح والشّعبي، المحلي والكوني. على روحك السّلام والمحبة، بقدر ما زرعت من سلام ومحبة في شباب كان ينشد أغانيك، ككتاب إنساني مقدّس.
#railkhatr_articles #railkhatr #chebhasni #rai_lkhatr